فكرة

ديابيدو فرانسيس كيري: "أحاول العمل مع الطبيعة وليس ضدّها"

ديابيدو فرانسيس كيري، أوّل إفريقي يفوز بجائزة بريتزكار Pritzker، أعلى وسام في الهندسة المعمارية، يفضّل الكفاءات والمواد المحلية لتصميم مبانٍ أنيقة تحترم البيئة ومُتجذّرة في محيطها. يقوم منهجه على تشريك السّكان منذ المراحل الأولى للمشروع لخلق أماكن للحياة تتماشى مع حاجيّات السكان.
COU-02-23-NOTRE-INVITÉ-01:

أجرت الحوار لايتيسيا كاسي

اليونسكو

وُلدتم في قرية غاندو في الوسط الشرقي لبوركينا فاسو. كيف أصبحتم مهندسا معماريا؟

منذ المدرسة الابتدائية، كنت أرغب في تحسين قاعات الدّراسة في بوركينا فاسو. عندما كنت تلميذا، كنا نعاني من الحرّ والازدحام وقلّة الضّوء. فالذي دفعني إلى اختيار مهنة الهندسة المعمارية هي الرّغبة في توفير ظروف تعليميّة أفضل للأجيال القادمة.

تابعت دراستي في الجامعة التّقنية ببرلين، وقمت بتكييف ما تعلّمته هناك مع الوسط الذي أردت البناء فيه. وقد شجّعني أساتذتي على تطوير أساليب البناء التقليدية واستخدام المواد المحلّية. أدركت بفضلهم أن المسألة لا تتعلّق بالمصالح فقط أو بمَيْلٍ شخصي، وإنما بتقديم مساهمة ذات بال في الهندسة المعماريّة عموما.

مدرسة غاندو كانت أحد أولّ مشاريعكم. واخترتم أن تشيّدوها بالتربة الخام بدلاً من الإسمنت أو القوالب الإسمنتية (الكنتول). لماذا هذا الاختيار؟

أنا أعتبر نفسي "انتهازيًا" عندما يتعلّق الأمر بالمواد، أي أنّني أشتغل بما هو مُتوفّر وله معنى في المكان الذي أبني فيه. يمكن أن أبني بالخراسانة عندما يكون ذلك مبرّرا. أعتقد أنه يجب، قبل كل شيء، استعمال المواد التي ثبتت تجربتها محليًا تسهيلا لصيانة المباني بأقل جهد ممكن وباعتماد محترفين محلييّن. ولقد وضعت هذا المبدأ موضع التّنفيذ في أماكن لم تحظ باهتمام العمارة المعاصرة، مما سمح لي بتطبيقه اليوم في سياقات أخرى.

أشتغل بالمواد المتوفّرة والتي لها معنى في المكان الذي أبني فيه

قمتم بتشريك السكّان في هذا المشروع وغيره من المشاريع الأخرى. لما هذا الخيار؟

لقد قضّيت الكثير من الوقت في النّقاش مع أهالي غاندو والعمل على تحسيسهم بأنّهم شركاء في المشروع. كانت مقاربتي جديدة تمامًا. اقترحتُ عليهم البناء باستعمال مواد معروفة لكنها غير مثمّنة لديهم، وفسّرت لهم أنّني درست في الجامعة هذه التّقنية التي عادة ما نتعلّمها من القدامى.

ولإقناعهم بمقاربتي، عرضتُ عليهم أفكاري إلى جانب القيام بتجارب معهم وأثْبَتُّ لهم جدواها، واستخلصت من ذلك الكثير من العبر بداية من اختيار المواد. فعندما يكون لديك القليل من الموارد، عليك أن تكفّ عن رفع ذراعيك إلى السماء قائلا "لا يمكننا فعل ذلك!" أو "علينا إحضار المواد من الخارج!". تُعجبني الفكرة القائلة بأنّ ندرة الموارد دافع للابتكار.

الدّرس الآخر هو أنّه عليك أن تأخذ الوقت الكافي للإقناع. فالثّقة لا تُبنى على التّفسيرات العقلانية فحسب، بل تنشأ من الإدماج والتّشريك. هذه الطّريقة تسمح أيضًا بإيجاد حلول لم ترد على ذهنك في حالة دراستك للمشكلة عن بعد وبدون تشريك الأهالي المعنيّين. 

كيف نتوصّل إلى بثّ الحياة في بناية ما؟

أحاول قدر المستطاع العمل مع الطّبيعة وليس ضدّ الطّبيعة، وهو ما يجعلك تكتسب فكرة معيّنة عن الفضاء. نقوم بذلك بالخصوص من خلال إحاطة أنفسنا بمواد لها صلة بالطبيعة والسعي إلى منح المساحات المنزلية طابعًا متعدّد الوظائف، وإنشاء مساحات يشعر فيها الناس بالرّاحة ويرغبون في قضاء وقت فيها.

فيمَ تتمثّل علاقة الهندسة المعمارية بالعدالة الاجتماعية؟

يتمحور عملي، من نقطة انطلاقه إلى نهايته، حول الناس والعالم الذي نعيش فيه. إذا لم يكن أحد في حاجة إلى بناية، فلماذا نشيّدها؟ وإذا لم يستعمل أحد ما أقوم ببنائه، فما الفائدة منه؟ إن أيّ فضاء معماري لا وجود له فعليّا إذا لم يُستعمل إذ يفقد الغاية من وجوده. هذا لا يعني أن هندسة البناية ينبغي ألاّ تطمح إلى أن تكون خارقة للعادة وأن تتخطّى الحدود، أو أن نمتنع عن تجربة أفكار وتصميمات جديدة. لكن، لتحافظ البناية على ديمومتها، يجب أن يكون السّكان راغبين في العيش فيها. هذا، على الأقلّ، ما أحاول القيام به عند البناء.

أنتم تُدافعون عن فكرة "مدن متناسقة وآمنة". ماذا تقصدون من وراء ذلك؟

أعني بذلك المدن التي تنتمي إلى الأشخاص الذين يعيشون فيها، والتي صُمّمت لهم. فبقدر ما تكون المدن مُريحة وتوفّر فضاءات راحة وتجمّع، يشعر فيها السكان بالسّكينة. إنّه رهان كبير لكن علينا رفعه، أحببنا ذلك أم كرهنا.

COU-02-23-NOTRE-INVITÉ-02
قاعة درس في المدرسة الابتدائية في غاندو، بوركينا فاسو، أوّل بناية صمّمها فرانسيس كيري.

تتميّز المباني التي قمتم بإنجازها باعتدال استهلاكها الطّاقي واستعمال مواد محلّية قادرة على مقاومة الحرارة. ففي سياق يتّسم بالاحتباس الحراري، كيف تُفسّرون عدم انتشار أفضل لمثل هذه الممارسات؟

أعتبر شخصيّا أنّ هذا الجانب لا ينفصل عن الهندسة المعمارية، ويندرج على نحو طبيعي صُلب ابتكاراتي. المهم أن يتمّ من منظور شمولي، وألّا نكتفي بالتّهافت على النّزعات الجديدة، أو أن نتظاهر بمعالجة هذه المشكلة دون اعتبار تعقيداتها الهائلة.

أنتم أوّل أفريقي يفوز بجائزة بريتزكار، وهي أعلى وسام في المهنة. كيف تقبّلتم ذلك؟

كنت مندهشا للغاية، ورغم مضيّ عدّة أشهر عن الإعلان ما زلت إلى الآن غير مستوعب للحدث. هذه الجائزة سمحت لي بالوصول إلى جمهور أوسع بكثير، وأعتبرها في الآن ذاته فرصة ومسؤولية.

كيف ترون مستقبل الهندسة المعمارية البيئية؟

لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال بمفردي لأنه يفترض تحرّك خبراء من جميع أنحاء العالم بطريقة تأخذ في الاعتبار محدودية مواردنا. ومع ذلك، أرى صعود جيل يدرك أن التّصميم الجيّد والهندسة المعمارية المدروسة بيئيًا لا يتعارضان ولا ينفي أحدهما الآخر، بل يمكن أن يدعم الواحد منهما الآخر. وهو ما قد يعطي نتائج من شأنها أن تفاجئنا.

التّصميم الجيّد والهندسة المعمارية المدروسة بيئيًا لا يتعارضان

قُمتم بتصميم مبانٍ في بلادكم، وكذلك في كينيا، ومالي، والولايات المتحدة، وأوروبا، والصين ... ما هي مشاريعكم المستقبلية؟ 

دشّننا منذ فترة قصيرة، في كامبلا بأوغندا، فضاء كامووكيا للألعاب المصنوعة من مواد محلية وبأيادي حرفيين محليين، وهو إنجاز اجتمعت فيه كلّ مواصفات عملي. ونواصل، إلى جانب ذلك، بناء برلمان بينين، إلى جانب أشغال أخرى مطلوب إنجازها لتطوير البنية التحتية التعليمية في بوركينا فاسو. 

كما لدينا أيضًا مشاريع في ألمانيا، والبرتغال، والتوغو، ونحن ببساطة ممتنّون للتمكّن من مواصلة الاستكشاف وتقديم مقاربتنا في أماكن جديدة.