مقال

تعزيز "لبنة أساسيّة" من لبنات صون التراث الوثائقي العربي

ما فتئت اللغة العربية تبدي على مرّ القرون سلاسة استثنائية في استيعاب الكلمات الأعجميّة في لهجاتها، إذ خطت بحروفها فصول تاريخ البشرية. وتقف اللغة العربية شاهداً على أهمية التنوع اللغوي كوسيلة للتنمية المجتمعية وبناء السلام وتوطيد عمليات المصالحة.
Arab Documentary Heritage

إنّ برنامج سجل ذاكرة العالم التابع لليونسكو، وإذ يُدرك مكانة الأدب والمعارف العربية وأهميتها، يلتزم بصون التراث الوثائقي العربي الفريد الذي ساهم في تأريخ فصول تاريخنا المشترك، بما في ذلك المساهمات الثقافية والعلمية الضخمة، الموثقة في وثائق مكتوبة باللغة العربية.

وفي إطار الجهود المبذولة من أجل استرعاء الاهتمام للحاجة إلى ضمان صون الأدب والمعارف العربية على نحو أرسخ وضمان الانتفاع بها، جرى تنظيم حلقة نقاش خلال فعالية خاصة نظمتها اليونسكو بعنوان "اللغة العربية، ما وراء الموروث" بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر في جامعة محمد الخامس في الرباط بالمغرب.

نُظّمت حلقة النقاش كجزء من مشروع سلطان بن عبد العزيز آل سعود وركّزت على التراث الوثائقي العربي وضروب مساهمته في سجل ذاكرة العالم. وأشرك سجل ذاكرة العالم مؤسسات الذاكرة في أرجاء المنطقة في حوار لتوطيد المعارف وتعزيز القدرة على صون وترميم المخطوطات والمحفوظات والصور والخرائط القيّمة في العالم العربي بطرق جمّة من بينها الرقمنة.

وألقى مساعد المديرة العامة لليونسكو للاتصال والمعلومات، توفيق الجلاصي، كلمة استهلالية مسجّلة أكد فيها من جديد القيمة الفريدة للتراث الوثائقي العربي، مسلطاً الضوء على المخاطر المحدقة به، ووصف الفعالية بأنها "لبنة أساسية لاتخاذ تدابير إضافية".

إن هذا المشروع ليس الوحيد والأخير، إنما هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقاً لضمان الانتفاع بالتراث الوثائقي العربي وإبراز مكانته.

توفيق الجلاصيمساعد المديرة العامة لليونسكو للاتصال والمعلومات

تبلورت هذه الاستراتيجية الأوسع نطاقاً في الجهود التي يبذلها برنامج سجل ذاكرة العالم من أجل توعية الجمهور والجهات المعنية الرئيسية، بمن فيهم صناع القرار والمجتمع المدني والشباب ووسائل الإعلام، بشأن أهمية التراث الوثائقي العربي، والحاجة إلى صونه، وكيفية بلوغ هذه الغاية.

ويعمل برنامج سجل ذاكرة العالم في إطار برنامج الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود على ترجمة مجموعة مُختارة من المخطوطات العربية إلى خمس لغات من لغات الأمم المتحدة في خطوة لترويج الأدب والمعارف العربية في كل أنحاء العالم.

واعتبرت الأمينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو، هبة نشابي، حلقة النقاش بمثابة فرصة لتوطيد التعاون العربي في مجال رقمنة التراث الوثائقي، وإذكاء وعي الجماهير في المدارس والمؤسسات التعليمية. واقترحت أيضاً إجراء رصد شامل للتراث المتاح وغير المسجل في المكتبات العامة والخاصة في أغلب الأحيان، فضلاً عن مجموعات الأفراد والمؤسسات.

نرغب في صون التراث الوثائقي العربي باعتباره نافذة نطل منها على الماضي لدراسته والاحتفاء به وتفادي تكرار هفواته وأخطائه.

هبة نشابي الأمينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية

وتحدّث كبير الباحثين لدى وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية، السيد نايف آل نمرة، عن إدراج "نقش زُهير" في سجل ذاكرة العالم في عام 2003، والذي يساهم صونه في تزويد الباحثين الذين يدرسون أنماط الكتابة العربية في تاريخ الإسلام المبكّر بأدلة قيّمة.

التراث مصدر لا يتكرر، وتراث أي أمّة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهويتها، وهو جزء أصيل من نسيجها التاريخي والاجتماعي والثقافي.

نايف آل نمرةكبير الباحثين لدى وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية

وتحدّثت السيّدة أنيسة حرفوش، من مكتب اليونسكو لدول الخليج واليمن في الدوحة، باسم اليونسكو، وسلطت الضوء على تقرير جديد يُحذّر من تفاقم الخطر المُحدق بالتراث الوثائقي النفيس والمتنوع في المنطقة العربية. إذ أُعدّ التقرير استناداً إلى مسح شامل شمل بلدان المنطقة العربية قاطبة، وهو يُزيح الستار عن التهديدات التي تعصف بالتراث الوثائقي بسبب عدم الاستقرار السياسي والصراع والكوارث الطبيعية والخراب. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها مؤسسات الذاكرة في جميع أرجاء المنطقة للحد من المخاطر، إلا أن التهديدات في تزايد إذ تواجه المؤسسات تحديات في الموارد المالية المحدودة في ظلّ التكلفة العالية لبرامج ومعدات الحفظ، فضلاً عن الخبرة التقنية المحدودة.

قدم المتحدثون في نهاية المطاف رؤى وأمثلة عن التراث الوثائقي العربي باعتباره دافعاً للتنمية المجتمعية، وبناء السلام، وعملية المصالحة داخل المنطقة وخارجها. وناقشوا أخيراً كيفيّة استخدام النقوش التراثية الوثائقية كوسيلة للتدريس والبحوث، وكنبع للمعرفة، وكذلك التحديات الخاصة بكل بلد فيما يتعلق بصون هذا التراث وإمكانية الانتفاع به، والتعاون الإقليمي، وكيفية إشراك الجمهور ووسائل الإعلام والمجتمع المدني كيد واحدة للحفاظ على هذا التراث.

Documentary heritage in the Arab Region: a regional survey; understanding needs, challenges and opportunities
UNESCO
UNESCO Office in Doha
2021
With the support of Qatar National Library
0000375817