أعمال الصندوق

برنامج التأهب لحالات الطوارئ والتصدي لها الذي يدعمه صندوق التراث في حالات الطوارئ

1- آثار الكوارث والنزاعات على التراث وعواقبها على التنمية المستدامة والسلام والأمن

تتأثر بشكل متزايد مواقع التراث العالمي وموارد التراث الثقافي والطبيعي، بما في ذلك أشكال التعبير غير المادي، بالكوارث والنزاعات التي تقع في جميع أنحاء العالم. ويمكن أن تنجم هذه الأخطار التي تهدد التراث الثقافي عن مجموعة متنوعة من العوامل الأساسية التي كثيراً ما يعزز بعضها بعضاً، والتي تشمل الأخطار الطبيعية وتغيّر المناخ وعدم الاستقرار السياسي.

وخلال السنوات العديدة الماضية، تسببت الزلازل والحرائق والفيضانات والانهيارات الأرضية والأعاصير في أضرار بالغة، بل وفي الفقدان التام، لعدد لا يُحصى من مواقع التراث الثقافي والطبيعي، والمتاحف، والمؤسسات الثقافية، والتقاليد الخاصة بالتراث غير المادي. ويتعرض التراث بخاصةٍ للخطر في أوضاع النزاعات، سواء بسبب الضعف المتأصل فيه أو بسبب قيمته الرمزية العالية. ولحماية التراث الثقافي آثار مهمة أيضاً في مجال الأمن الدولي، إذ أن الثقافة كثيراً ما تُستخدم كهدف للنزاعات ومصدر لتمويلها.

وفي كثير من الأحيان، يقع التراث في مرمى النيران المتبادلة بين الأطراف المتحاربة أو يتعرض للسلب والنهب في أوقات الفوضى والاضطرابات السياسية. وما يدعو إلى مزيد من القلق هو أن أعمال التدمير تعمد أحياناً إلى استهداف التراث من أجل طمس هوية الأفراد والجماعات، وقطع صلاتهم بالأرض، وكسر الروابط المجتمعية التي تؤلف بينهم.

ولتدمير التراث الثقافي والطبيعي آثار سلبية على المجتمعات المحلية لأنه يؤثر في إمكانية أن يشكل ذلك التراث مورداً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة لتلك المجتمعات، فضلاً عما يحدثه من فقدان لسجلات فريدة من ماضينا تتسم بقيم تاريخية وجمالية وعلمية كبيرة. وهو يعوق أيضاً قدرة التراث على ترسيخ روحانية المجتمعات المحلية وهويتها اللتين يمكن أن تلتفّ حولهما المجتمعات المتضررة لشد أزرها في أوقات الشدة.

وبعد وقوع كارثة مباشرة،ً ولا سيما خلال فترات النزاع الدائر، كثيراً ما يجد الناس في التراث عنصراً من العناصر الأساسية للدعم المادي والنفسي. فالقدرة على الوصول إلى أحد مواقع التراث - سواء كان صرحاً دينياً أو مدينة تاريخية أو موقعاً أثرياً أو حتى منظراً طبيعياً - أو مجرد معرفة أن هذا الموقع لا يزال قائما،ً ليست مجرد حق من حقوق الإنسان، وإنما هي تلبي حاجة ماسة إلى الإحساس بالاستمرارية وتدعم القدرة على الصمود. وفي حالات الطوارئ المعقدة، يمكن للثقافة أن تكون أيضاً وسيلة لتعزيز التسامح والتفاهم والتصالح مع التخفيف من التوترات الاجتماعية وتجنب تفاقم الأوضاع مجدداً وتحولها إلى نزاعات عنيفة. فعلى سبيل المثال، تستخدم فنون السينما والرقص والمسرح لتحقيق التفاهم بين مختلف جماعات اللاجئين.

وفي مرحلة ما بعد الكوارث وما بعد النزاعات، يمكن أن يساهم إحياء التراث وإصلاحه في تعزيز قدرة المجتمع المحلي على الصمود، وتضميد الجراح الناجمة عن الحرب، من خلال الأخذ بأيدي الفئات الضعيفة وتمكينها من استعادة إحساسها بالكرامة والقدرة على خوض معترك الحياة مجددا.ً وقد يمكن أيضا للاعتراف بالتراث وترميمه، استناداً إلى القيم والمصالح المشتركة، أن يعزز الاعتراف المتبادل والتسامح والاحترام فيما بين المجتمعات المحلية المختلفة؛ وهو شرط مسبق للتنمية السلمية التي يصبو إليها المجتمع.

ومن الناحية الأخرى، فإن التراث ليس مجرد مورد سلبي يتأثر ويتضرر في مواجهة الكوارث . فقد أظهرت دراسات عديدة أن المواقع والبنى التراثية التي يتم الحفاظ عليها جيداً قد تحد من مخاطر الكوارث. فهي أداة لنقل المعارف التقليدية المرتبطة بتقنيات البناء والإدارة البيئية.

ومن ثم، فإن حماية التراث من المخاطر المرتبطة بالكوارث وأوضاع النزاع، لا سيما حين تتعرض الأرواح للخطر وتكون الشواغل الإنسانية أمراً ذا أولوية، ضرورة تنموية أساسية وقضية ملحة على الصعيد الأمني.

2- التحديات التي يتعين التصدي لها

إن الكثير من البلدان، في هذا السياق، لا تعي المخاطر التي تؤثر على تراثها وهي غير مُهيأة للتصدي لها. وينشغل مديرو مواقع التراث عادةً بالمسائل اليومية أو بجمع الأموال اللازمة لأعمال الترميم أو الصون الجارية. ولا تُترك فرص أو مهل تذكر للاهتمام بإدارة مخاطر الكوارث، ناهيك عن حالات النزاع المسلح المحتملة. وعلى الرغم من الاستعدادات، التي تتخذ تحسباً لاحتمال حدوث الكوارث، فإن هذا الاحتمال كثيراً ما يتحقق، ويؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالتراث.

وعند وقوع الكوارث، كثيراً ما تفتقر البلدان إلى القدرة على الاستجابة بالسرعة اللازمة. ويؤدي ذلك إلى إضاعة فرص التحكم بمدى التعرض للأضرار والتخفيف منها. وعندما تقع كارثة أو تنشأ حالات نزاع معينة، يتعرض التراث بالفعل في كثير من الأحيان لمخاطر كبيرة وغير متوقعة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة ما لم تُتخذ تدابير فورية لصونه. وتشمل تلك المخاطر انهيار الهياكل المزعزعة، ونهب المواد والمجموعات، وفقدان سجلات المحفوظات الثمينة.

وقامت اليونسكو، بالتعاون مع عدد من الشركاء مثل المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS)، والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، والمركز الدولي لدراسة صون الممتلكات الثقافية وترميمها (ICCROM)، والمجلس الدولي للمتاحف ([1]ICOM)، بإعداد مجموعة متنوعة من الأدوات على مر السنين لإدارة المخاطر التي يتعرض لها التراث والناجمة عن الكوارث وحالات النزاع. وتتناول هذه المنظمات جميع مراحل دورة إدارة المخاطر الناجمة عن الكوارث أي قبل حدوث حالة طوارئ وفي أثنائها وبعدها. وتتراوح الأنشطة المنفذة بين وضع مواد توجيهية وبرامج تدريبية، ووضع مبادرات للتصدي والتعافي على الصعيد الميداني.

بيد أن الهجمات غير المسبوقة على الثقافة والتراث، إضافة إلى زيادة حدوث الكوارث الطبيعية، تستدعي اتباع نهوج جديدة وأكثر فعالية لمواجهة هذه التحديات.

ولذلك اعتمدت اليونسكو، في الدورة الثامنة والثلاثين للمؤتمر العام المعقودة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، الاستراتيجية الخاصة بسُبل تعزيز أنشطة اليونسكو الرامية إلى حماية الثقافة وتشجيع التعددية الثقافية في حالات النزاع المسلح، واعتمدت في الدورة التاسعة والثلاثين للمؤتمر العام المعقودة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، الضميمة المتعلقة بحالات الطوارئ المرتبطة بالكوارث الناجمة عن الأخطار الطبيعية أو الأنشطة البشرية. وفي عام 2017، صدَّق المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته العشرين على خطة عمل لتنفيذ ما تنص عليه الاستراتيجية والضميمة.

وتستند الاستراتيجية إلى الاتفاقيات الست المتعلقة بالثقافة التي تدير شؤونها اليونسكو، من خلال تعزيز أوجه التآزر فيما بينها وتعزيز قدراتها التنفيذية من أجل تحقيق الهدفين التاليين:

  • تعزيز قدرة الدول الأعضاء على درء الخسائر التي تلحق بالتراث الثقافي والتنوع الثقافي من جراء النزاعات والكوارث، والحد من تلك الخسائر واستعادتها؛
  • إدماج حماية الثقافة في العمل الإنساني والاستراتيجيات الأمنية وعمليات بناء السلام.

ويستدعي ذلك تعزيز التعاون القائم مع الشركاء التقليديين، وإرساء أشكال جديدة من التعاون مع الأطراف الفاعلة في قطاعات أخرى غير قطاع الثقافة مثل قطاع العمل الإنساني والقطاع الأمني.

ومن خلال حماية التراث الثقافي وتعزيز التعددية الثقافية في حالات الطوارئ، تساهم اليونسكو في حماية حقوق الإنسان، ومنع نشوب النزاعات، وبناء السلام، والنهوض بالقانون الإنساني الدولي، وتعزيز القدرة على الصمود لدى المجتمعات.

 

[1] ICOMOS المجلس الدولي للمعالم والمواقع; IUCN الاتحاد الدولي لصون الطبيعة; ICCROM المركز الدولي لدراسة وحماية الممتلكات الثقافية; ICOM المجلس الدولي للمتاحف

3- برنامج التأهب لحالات الطوارئ والتصدي لها

سعياً إلى التمكن من مساعدة الدول الأعضاء في اليونسكو على التصدي للحالات الحرجة وإدارة المخاطر التي يتعرض لها تراثها من جراء الكوارث والنزاعات، أنشئ، بالتعاون الوثيق مع الأقسام المعنية في مقر اليونسكو ومكاتبها الميدانية، برنامج للتأهب لحالات الطوارئ والتصدي لها تتولى تنسيقه وحدة مخصصة في قطاع الثقافة بالمنظمة.

 

ويتعلق هذا البرنامج بحالات الطوارئ التي تؤثر على الثقافة، المعرَّفة على النحو التالي:

هي حالات تنطوي على خطر وشيك يهدد التراث، نتيجة للأخطار الطبيعية أو الأنشطة البشرية، ومنها النزاع المسلح، وتجد فيها الدولة العضو نفسها غير قادرة على التغلب على العواقب الوخيمة التي تخلّفها هذه الحالة على حماية التراث وتعزيزه ونقله أو على جهود تعزيز الإبداع وحماية تنوع أشكال التعبير الثقافي، ويلزم فيها اتخاذ إجراءات فورية.

 

ويتلقى البرنامج الدعم من صندوق التراث في حالات الطوارئ، الذي تتمثل ولايته في تلبية الاحتياجات الملحة التي تنشأ في الفترة الفاصلة بين حدوث الحالة الطارئة وتنفيذ مشاريع الإنعاش الطويلة الأجل والكبيرة الحجم، من خلال الاضطلاع بالأنشطة القصيرة الأجل وأنشطة المساعدة الأولية. وبالتالي، فإنه يسد فجوة استراتيجية، لأنه يدعم التدخلات الحاسمة التي تعتمد على التمويل المتاح فوراً والتمويل الاحتياطي، والتي، نتيجة لذلك، لا يمكن أن تستمر في إطار آليات التمويل التقليدية، التي تستند إلى عمليات التخطيط التي تستغرق بعض الوقت. ومن خلال سد هذه الفجوة، يؤدي الصندوق دوراً حفازاً لحشد مزيد من التمويل، لأن تلك التدخلات توفر المعلومات الأساسية اللازمة لإعداد مشاريع التعافي.

 

ويدعم البرنامج الأنشطة الصغيرة القصيرة الأجل في ثلاثة مجالات رئيسية، على النحو التالي:

 

 

3-1      التأهب

يمكن التخفيف من آثار الكوارث أو النزاعات إذا ما اتخذت التدابير المناسبة تحسباً لوقوعها. وتشمل الأنشطة المعتادة في هذا الصدد ما يلي:

  • تقديم المساعدة التقنية لتنفيذ التدخلات المتعلقة بالتأهب لحالات الطوارئ وتخفيف المخاطر فيما يتعلق بالتراث الثقافي والتنوع الثقافي
  • إعداد مواد لتعزيز القدرات على صعيد تنفيذ التدخلات المتعلقة بالتأهب لحالات الطوارئ وتخفيف المخاطر فيما يتعلق بالتراث الثقافي والتنوع الثقافي
  • تنظيم حلقات عمل تدريبية في مناطق مختلفة، بشأن تنفيذ التدخلات المتعلقة بالتأهب لحالات الطوارئ وتخفيف المخاطر فيما يتعلق بالتراث الثقافي والتنوع الثقافي، للمهنيين في مجال التراث الثقافي، فضلاً عن الحد من مخاطر الكوارث، والاستجابة للأزمات، وإدارة حالات الطوارئ، بمن فيهم النساء
  • إعداد دراسات عن التراث الثقافي والتنوع الثقافي في حالات الطوارئ
  • تنظيم اجتماعات التنسيق مع الشركاء المحتملين أو الحاليين أو المشاركة فيها
  • الدعوة في سياق الاجتماعات الإعلامية والنظامية أو الأنشطة الترويجية وأنشطة جمع التبرعات إلى حماية وتعزيز التراث الثقافي والتنوع الثقافي في حالات الطوارئ
  • وضع مواد للتوعية بالثقافة في حالات الطوارئ أو تحديث ونشر تلك المواد
  • الدعوة في سياق الاجتماعات الإعلامية والنظامية أو الأنشطة الترويجية وأنشطة جمع التبرعات إلى أهمية حماية وتعزيز التراث الثقافي والتنوع الثقافي في حالات الطوارئ.

 

3-2      الاستجابة

عندما تقع كارثة، لا يوجد وقت يمكن إضاعته في تحديد ما يستلزمه الوضع بالضبط. فمن خلال إيفاد فريق صغير من الخبراء في غضون ساعات من وقوع أي كارثة، يمكن لليونسكو أن تقيّم الاحتياجات بسرعة وأن تسدي المشورة للوكالات الحكومية والجهات المانحة الدولية بشأن أهم الإجراءات الضرورية لتجنب تعريض التراث لمزيد من الخسائر.

 

وفضلاً عن ذلك، يمكن تجنب أسوأ عواقب الكوارث في غضون الأيام القليلة الأولى أو أول أسبوعين أو ثلاثة من وقوعها إذا تسنَّى توفير الدعم المادي بسرعة. وقد يكمن ذلك في إقامة هياكل مؤقتة لضمان ثبات المباني الضعيفة، أو توفير معدات جديدة بدل المعدات التالفة، أو إعادة البناء السريعة للمحطات الميدانية بغية ضمان قدرة سلطة إدارة الموقع على الحفاظ على وجودها في المناطق الحساسة.

 

ويمكن أن تكون مرحلة الإنعاش/إعادة التأهيل عملية طويلة تتطلب مشاركة أفرقة من الخبراء فضلاً عن إنشاء فريق للإدارة متعدد أصحاب المصلحة لدعم السلطات الوطنية وتنسيق جهود الإغاثة. وتشمل الأنشطة المنفَّذة في سياق الاستجابة ما يلي:

 

  • نشر بعثات للتقييم السريع وتقديم المشورة، بما في ذلك عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث وتقييم أعمال الإنعاش وبناء السلام
  • تنفيذ التدخلات العاجلة في الميدان
  • القيام بأنشطة التوثيق والرصد
  • تنفيذ أنشطة تدريبية في مرحلة ما بعد النزاع أو ما بعد الكوارث تستهدف المهنيين من جميع التوجهات الجنسانية في مجالات التراث الثقافي، وإدارة مخاطر الكوارث، والاستجابة للأزمات، وإدارة حالات الطوارئ
  • تنظيم اجتماعات التنسيق أو الدعوة أو جمع الأموال أو المشاركة في تلك الاجتماعات
  • تقديم الدعم للمكاتب الميدانية لليونسكو عن طريق موظفين مؤقتين من أجل الاستجابة لحالات الطوارئ.

 

3 -3     تعبئة الموارد

بالإضافة إلى العناصر المذكورة أعلاه، يتضمن البرنامج أيضاً مبادرات للاتصال والتوعية تهدف إلى تعبئة الموارد من أجل هذا المجال الاستراتيجي من مجالات العمل. وتشمل هذه المبادرات ما يلي:

  • إعداد المواد المتعلقة بالترويج وجمع الأموال ذات الصلة بصندوق التراث في حالات الطوارئ أو تحديثها ونشرها

التعريف بصندوق التراث في حالات الطوارئ وبرنامج أنشطته في الاجتماعات الإعلامية أو الاجتماعات النظامية أو المناسبات الترويجية.

4- التنفيذ والرصد والتقييم

تتولى وحدة التأهب لحالات الطوارئ والتصدي لها تنسيق تنفيذ البرنامج؛ وهي وحدة تقع في مقر اليونسكو وتعمل في إطار هيئة التراث والطوارئ التابعة لقطاع الثقافة. وتقوم الوحدة بدور تنسيقي وتركز مساهماتها في مراحل التخطيط للتدخلات والاستجابة الفورية، بالتنسيق مع المسؤولين المعنيين في المقر والميدان.

 

وتُجرى عمليات تقييم دورية للبرنامج وفقاً لسياسة اليونسكو ومبادئها التوجيهية الخاصة بالتقييم.