Audio heritage from Yemen

قصة

الحفاظ على الماضي وضمان المستقبل: دور حراس التراث الوثائقي في منطقة الخليج

للكشف عن أهمية الحفاظ على التراث الوثائقي، يعرض الأوصياء عن التراث من منطقة الخليج العربي جهودهم في حماية تاريخنا المشترك من أجل مستقبل مستنير.

تضم منطقة الخليج تراثا وثائقيا استثنائيا، يقدم رؤى لا تقدر بثمن في تاريخها. ويتنوع هذا التراث ليشمل المخطوطات القديمة التي تميّز العلوم البحرية، مثل مخطوطة معدن الأسرار في علم البحار من عمان، فضلًا عن التسجيلات التي تبرز التقاليد الموسيقية المتنوعة، مما يجعل هذا التراث غنيًا ومتفردًا. ومع ذلك، تواجه هذه الثروة العديد من التحديات مما يعرضها لخطر الضياع إلى الأبد. ويكافح الأوصياء والقيمون الفنّيون ويسارعون الوقت للحفاظ على هذه المجموعات وإدارتها وصونها؛ من خلال ما يبذلونه من جهود وتفانٍ، نحتفظ بإمكانية الوصول إلى تراث أسلافنا، حيث نعمل كحلقة وصل أساسية لهويتنا الثقافية وتاريخنا.

عندما قلبت صفحات المخطوطات لدراستها، ظهرت أمامي خطوط ورسومات بمنظر رائع، حروف متناغمة توحي بما اعتقده عالماً ذات مرة، مما جعلني فخورةً بكوني حارسةً لهذه المخطوطات. أنا فخورة بتراثي الوطني وأنني أستطيع حمايته والحفاظ عليه.

وردة الجرادي، دار المخطوطات في صنعاء

استكشاف قيمة التراث الوثائقي

في عام 2019، أطلق مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن دراسة استقصائية شملت 19 دولة عربية هدفت إلى فهم الاحتياجات والتحديات التي تواجه مؤسسات الذاكرة وجامعي التحف والمقتنيات في المنطقة للحفاظ على التراث الوثائقي وتعزيزه. وتظهر نتائج المسح أنه تم تسجيل حوالي 23 مليون قطعة من التراث الوثائقي على وجه الخصوص في منطقة الخليج: وتتنوع هذه القطع الفنّية بين المخطوطات والكتب المطبوعة والصحف القديمة والوثائق الأرشيفية والفن على الورق، إلى جانب الخرائط التراثية والصور الفوتوغرافية وتسجيلات الصور المتحركة والتسجيلات الصوتية والأفلام الصغيرة.

تمتد قيمة هذه المجموعات المتنوعة إلى ما وراء الحدود، ويتردد صداها عبر بلدان المنطقة. ويوضح حمد بن محسن بن زهران العبري، عضو مجلس إدارة مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري العامة في سلطنة عمان، قائلا: "يشكل التراث الوثائقي الذاكرة التاريخية لمنطقتنا؛ فمن خلال دراسة هذه المجموعات، يمكننا إجراء اكتشافات مهمة حول تاريخنا، والكشف عن المعارف الأساسية المتعلقة بالقانون والاقتصاد والمجتمع والتاريخ، وأكثر من ذلك". وبالمثل، تصف وردة الجرادي، مديرة الشؤون المالية والإدارية في دار المخطوطات في صنعاء باليمن، آلاف المجموعات في مؤسستها، قائلة: "هذا التراث هو أصل حضارتنا، التي ورثناها عن أجدادنا. وتكمن قيمته في مقدار المعرفة والعلوم التي يحتويها، والتي يمكن أن تفيد الباحثين والطلاب والمحققين

أما شيخة الخرسان، خبيرة التراث في مركز البحوث والدراسات الكويتية، فتتحدث عن تجربتها في ترميم المخطوطات، وتروي اكتشاف نوع من الحبر من أوروبا لم يدرس من قبل في المنطقة العربية. وقد كشف بحثها النقاب عن رؤى مهمة في الديناميات المجتمعية، حيث قدم منظورًا أوضح لصناعات الحبر والورق، والتطور الكيميائي، والتفاعلات الاجتماعية في الكويت القديمة. وتضيف: "من خلال دراسة المجموعات التراثية، يمكننا اكتشاف حقائق مثيرة للاهتمام حول تطور صناعات الحبر والورق، والتطور الكيميائي، والتفاعلات الاجتماعية وأكثر من ذلك بكثير. هذه المجموعات هي أكبر دليل على التطور العلمي الذي مرت به البشرية".

بالإضافة إلى قيمته العلمية، يروي لنا التراث الوثائقي قصصا بديعة، مما تسنى لنا من خلالها اكتشاف ماضينا وفهم هويتنا. ويوضح فؤاد الشرجبي، مدير البيت اليمني للموسيقى والفنون، الذي يضم أكثر من 60 ألف تسجيل صوتي، قائلا: "تمتد مجموعاتنا المتنوعة من الموسيقى التقليدية الكلاسيكية إلى الأناشيد التي يغنيها البحارة والبدو والمزارعون والشخصيات الدينية والأمهات لأطفالهن، والمحتفلون بحفلات الزفاف، وغير ذلك الكثير. تظهر هذه التسجيلات هويتنا وتاريخنا وأننا شعب يحب جمال الحياة". وتضيف الدكتورة منية شخاب أبو دية، القيّمة الفنّية الأولى بمتحف الفن الإسلامي في قطر:

"كمؤسسة تنشط في العالم العربي وفي بلد مسلم، من المهم حماية هذا النوع من التراث للأجيال القادمة وتعزيز أهمية مساهمة العالم الإسلامي في تاريخ البشرية. وتركز مهمة متحف الفن الإسلامي على تسليط الضوء على أصولنا وتراثنا من أجل مستقبلنا".

لقد تربينا على قول مأثور "مجتمع بلا ماض، ليس له مستقبل". من المهم جدا أن نقرأ الماضي ونتعلم منه. أنا لا أقول إننا يجب أن نعيش على أنقاض الماضي، ولكن يجب أن نتعلم من تاريخنا وتراثنا لنكون قادرين على بناء مستقبلنا. 

شيخة الخرسان، مركز البحوث والدراسات حول الكويت

صون التراث الوثائقي وسط المخاطر المتزايدة

يواجه الأوصياء مخاطر متعددة الأوجه عند حماية المجموعات، بما في ذلك الإهمال ونقص الوعي العام، والتدهور الطبيعي، والتقادم التكنولوجي، ونقص الموارد، والتدمير المتعمد، وغيرها من المخاطر. وعلى الرغم من الجهود التي تبذل للحفاظ على هذا التراث وتعزيزه، لا تزال هناك تحديات جمّة، تتفاقم بشكل خاص في حالات الأزمات. يواجه اليمن، على وجه الخصوص، مخاطر متزايدة على مجموعاته بسبب النزاع المستمر. وتظهر نتائج المسح الإقليمي لليونسكو لعام 2019 أن 68٪ من المستجيبين يرون أنهم في مناطق عالية الخطورة، مع الإشارة إلى الصراع باعتباره التهديد الرئيس. ومن المثير للقلق أن 80٪ من المؤسسات تفتقر إلى أي تدابير أمنية تستهدف حماية مجموعاتها. وعلى الرغم من انتشار المناطق عالية الخطورة، فإن 10٪ فقط من المستجيبين لديهم خطط للاستجابة للتأهب للكوارث والطوارئ، من الموارد نسبة قليلة فقط من المعدات اللازمة أو من الموظفين المدربين للاستجابة بفعالية لحالات الطوارئ.

تلعب الجهود الحثيثة التي يبذلها الأوصياء للحفاظ على التراث الوثائقي دورا رئيسًا في ربطنا بماضينا وتشكيل مستقبلنا. إن تفانيهم وصمودهم في مواجهة التحديات الهائلة يظهر الحاجة الملحة لمواصلة الدعم وتقدير اسهاماتهم ودورهم الحيوي في الحفاظ على ذاكرتنا. من خلال دعم حراس تراثنا، نضمن أن تستمر قصص أسلافنا، مما يثري حياة الأجيال القادمة.

يُعدُّ هذا المقال جزءًا من مبادرة مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن "الناس وراء الكتب"، وهي سلسلة من المقابلات التي تهدف إلى جمع قصص القيمين والأوصياء لتعزيز وزيادة الوعي حول التراث الوثائقي في المنطقة العربية. وتسلط المقالات الضوء على عملهم القيّم، فضلا عن تقديم نظرة حول احتياجات وتحديات وظروف مجموعات التراث الوثائقي في المنطقة.
 

Documentary heritage expert from Kuwait
Library in Oman
Documentary heritage expert restoring manuscript